قصدية الأشتغال عبر المناخات السيميائية والحداثوبة داخل معمارية اللحظة الاستقرائية التحريضية-سعدي عبد الكريـم (العراق)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

قصدية الأشتغال عبر المناخات السيميائية والحداثوبة داخل معمارية اللحظة الاستقرائية التحريضية

مسرحية طقـوس وحشيـة لقاسم مطرود إن مناطق الأشتغالات السيميائية (semiotics) بجل مراحل تطور مفاهيمها وشحناتها الفلسفية، الغائرة داخل بون اللغة الطبيعية، والمتداخلة في شعائر الطبيعة ذاتها ، تقودنا بالضرورة النقدية المحضة إلى تقديم دراسة بحثية جمالية متقدمة، عن معالم اللغة داخل (النص المسرحي) العربي، بكونه نوعا ادبيا خاصاً، وطرازا ًأسلوبيا ًمختلفا ًعن طرائز الكتابة الادبية الفنية الاخرى، وباعتباره ايضا عالما رحبا يتمتع بمناخات بئيوية منثنولوجية خصبة، وثيمية متفردة خاصة، تقترب درجة خطورته بمكان ما، في أن يخوض تجربة الكتابة في مساحات وسعته الواعية الابداعية، من لم يخبر في الحدود الدنيا، العمل داخل معترك خشبة المسرح النبيلة الجليلة، ومن لم تكن له تلك الخبرة والدراية في تفسير ماهيات لغته السحرية، وعالمة المختبري الجمالي، والمعملي الخصب. ومن هنا تاتي أهمية الاحاطة في فهم السيميائية (semiotics) باعتبارها علما من العلوم التي عُنيت بالمنهج (السوسيو– لساني) وامعنت في دراسة المحيطات التي تُعنى باللغة، والطبيعة، بذات الوقت الذي تستفحل فية داخل جسد حيثية المضامين الاشاراتية، والعلاماتية، والكودية في متن لغة الخطاب المسرحي المدون، وهنالك برأينا جملة من الاحكام، والمناهج، والانظمة، والدلالات، والشحنات، التي تشتغل عليها السيميائية داخل حيثيات النص المسرحي، فهي على رأي (كريستيفا) منهجا للعلوم الانسانية وتطبيقات (سوسيو- تاريخية) ومجموعة انظمة داله, وفي الحقل السيميائي، فهناك حكما يؤكد ما يقرره (الكود) اللساني و(السوسيو- ثقافي), في حين ان في مجال المناخ التحليلي السيميائي الذي يستهدف التنظيم الدلالي الخاص بالحقل المعجمي, ويمكن اعتباره امتدادا للتحليل والتفسير اللغوي، وفي تعريفنا للشحنة السيميائية باعتبارها جل الاستثمارات الدلالية الموزعة على مختلف العناصر المكونة للتعبير اللساني في اللغة الطبيعية وتتركز الشحنة السيميائية على الفاعل مرة, وعلى الوظيفة مرة حسب اختيار المُعبر (المدون) (الكاتب). ولو تفحصنا حقل (الإبستيم) لوجدنا بأن هذا الحقل يطرح نفسه بصيغة مناهجية تصب بذات المحتوى الحثي الفاعل، ليشير بامعان على أنه حقل تنظيم تراتبي، يتموضع في البنيات (السيمائية) العميقة باعتبارها منهجا حيا يعنى بتركيب وتعميم الدراسات (الانتربولوجية) (اللسانية– النفسية– الاجتماعية)، كما يقترح (غريماس) على إطلاق (السيميائية) على المجموعتين الكبيرتين الدالتين– (العالم الطبيعي) و(عالم اللغات الطبيعية)، المكونتين لمجال السميائية الطبيعية بالكلية . وإذا اتفقنا وضمن المسلمات الجوهرية الفائتة، على أن (السيميائية) علما يَدرسُ حياة العلامات من داخل الحياة الاجتماعية المعاشة، وهذا الاقرار الجمعي، سيحيلنا إلى المعنى العــام للسيمياء الذي تحدث عنه (سوسور)، الذي جعل من السيمياء جزءا من علم النفس العام، وبالتالي فان المناخات (الألسنية) ذاتها ستتحول، لتكون جزءا من السيمياء، وليس العكس. إذن وعلى اعتبار هذا النهج التراتبي في هذه الحقول السيميائية المعرفية، نستنتج بأن من مقومات تحليل (النص المسرحي) الذي يشتمل على كافة العناصر التي هي بالأساس أدوات فاعلة ومتفاعلة في الشحنة السيميائية الداخلية لذات الكاتب، ابتدءا من التفكير عبر العقل ومحاولة ترميم الثيمة من خلال مفاتن اللغة الطبيعية، والملامح البيئية للنص، ومرورا بمحاولة النهوض بها لمستوى الاستجابة الاستقرائية الابتدائية، باعتبار أن النص المسرحي (أدبـاً) قائما بذاته وتقع عليه شرائط الانضباط في تحديد الرؤية المُتخلية لمحور تفاعلات الأحداث والشخصيات، وامتداد تفاعلات صراعاتها الجمعية داخل (الحبكة), ومن ثم استنهاض المناخات الجمالية واستفزاز ملكاتها المعدومة في مراحل الكتابة المتواترة بوصفها مفاتيح التحريك الباطني النفسي والحدثي والايمائي الدلائلي، وباعتبارها مرحلة متقدمة من مراحل البناء الدرامي للنص المسرحي، ومن ثم تثوير ملكات الحالات المستوطنة (الذاتية– النفسية– الاجتماعية– الجمعية) وإيقاض الكبت الداخلي عبر الحركة الميدانية المثبتة في متن المدون المسرحي، باعتبارها أداة أصلية وأساسية من أدوات العرض المسرحي بالإجمال. إن فرضية اعتبار فن (الخطاب المسرحي) يشتغل وفق مبدئيين أساسيين مهميين في جسد فرجة العرض، وهما (الآن) و(هنا) وهاتيين الدلالتين الزمكانيتين، تتمحوران بمهمة الارتقاء بالخطاب المسرحي في القفز فوق الماهيات البيئة الدالة على الانتهاء اللحظي الآني من البرامجية المنحوتة للزمان والمكان خارج متن الكينونة الخطابية، ليحيل القاريء الى مناخات لحظية، واداة فاعلة ومتفاعلة داخل لعبة النص، ليجعل منه مفسرا جماليا ثان، بعد مرحلة الكتابة التي هي بالأصل مرحلة فنية متطورة من مراحل التأسيس الابتدائي للعرض، ومن ثم الاقتراب من مناخية التجانس والتقارب بين هاتين الدلاتيين (الفنية– الجمالية) والارتقاء بهما صوب تقنية ملأ الفراغات والمساحات البيضاء عبر هاتين الخلاصتين، الى مستوى نقدي ارفع وانجع في مناخ فلسفة (التأويل). وبما أن اللغة العربية عالما مهولا ممتلأ بالمكنونات الدلائلية الواضحة التي تتمتع بمناخات هائلة من الرموز والدلالات والشفرات والإشارات والعلامات، المحالة بطبيعة المنجز الخطابي الادبي الى البواطن المنجدية، لتحليلها واضفاء جملة من التفاسير والتأويلات المعجمية العديدة ليمكننا استخلاص معان وافرة لذات المفردة المستخدمة في أطار الاشارة، أو العلامة أو الدلالة السيميائية، إلى نوع خاص مثمر ومتميز من المفهومية العالية في استثمار الاستدلال وإتقان تفسير إيقاع الأحداث الخفي لـ(فعل ما)، داخل رحم (لحظة ما)، والاستمكان من فسحة الـ (هنا) في مقاربة تفصيلية دقيقية واضحة، ربما تحتاج هذه المعادلة الصيرورية الصعبة الى عقل تدويني ناهض، ذو ملكات غير عادية، وادوات جمالية ولغوية شعرية مثالية وذات خبرة معملية طويلة، ودراية مسرحية مختبرية رائدة. إن هذا المناخ الاستقرائي الفطن قد توافر في المخيلة التدوينة الحبكية الخصبة، ومفاتن اللغة السيميائية الفائقة، لدى الكاتب العراقي المبدع قاسم مطرود لذا نجده وبثبات قد لجأ الى انشاء ذلك الجسر المحرابي المقدس بين الدال داخل اللغة وبين المدلول خارج إيقاعها السلوكي الانساني، ليوقع ذلك السحر البياني المتوخى من السرد الحكائي المقنع، والحدثي المميز، والحوارية المجتزئة المقتضبة، لتأسيس لغة مشتركة بين قصدية الاشتغال في ديناميكية الحدث، ولمعة الكلمة، وبين المدرك (السمعبصري) المُتخيل عبر الاستقراء الابتدائي، لبيقى نتاجه الإبداعي محفزا لجسد اللحظة في ذهن القاريء، وبالتالي الاشتغال على مواقفية الإحالة لشكلنة المحتوى الثيمي الحكائي التغييري الصارم الملتزم، والاستاتيكي الحسي، والحداثوي التكويني، والسيمائي الدلائلي. ومن هنا نجد أن الخطاب المسرحي عند قاسم مطرود في (طقوس وحشية) يتمحور في الاستكانة المثلى لنظام التغيير في الجسد المجتمعي، والتحريض على انتشال الذات من سلطة الايديولوجيات المعمرة، لتحريرها من ريق الاستبداد والتخلف الفكري، وهو يقف في حضرة رؤاه المتوثبة الثائرة على الخريطة السياسية الفائتة، والتي تستقر بمفاتنها جملة من الملاذات الجمالية الخرائبية، تقود محيط شخوصه وبيئتهم، ومحاور نزعاتهم الذاتية والجمعية المقرفة، إلى مجرى فكري نقي لغسل ادرانهم من منظومة التسلط المؤدلج، (خارج النص)، ليعلنوا رفضهم للسائد المجتمعي الفاسد، بـ(حرق الصالة) برمتها، ليحيلهم (مطرود) إلى مجرد هوامش تاريخية تتقيء فوقهم السلطات قيح تلذذها، لينحازوا بالكلية التحريضية لميزة الانتقام من ذواتهم، ومن عالمهم الخارجي، فهو مرة يقف بالضد مع امتيازات شخوصة المتطلعة إلى الخلاص، وثانية يرمي فوق أجسادهم المتهرئة (أعواد ثقاب)، ليحرقهم، ومن ثم ليتخلص هو ابتدءا من ذلك الضيم والأسى الذي يجثم بداخله على اعتباره جزءا من ذلك الخراب الضمني الذي يغلف جل ملاحق حياته داخل بيئته الفائتة، ويبدو ان هذا الخراب الذاتي الذي هو بالاصل خرابا جمعيا، لا يمكن التحرر من جذوره إلا بثورة لحظية تحريضية كبرى، تاتي من الداخل، او ربما من الخارج، فمنطقة الثبات في هذا النص القيم الممتلأ بروح (العبث المعقول)! هي ذات المنطقة التي يلعب على أوتارها (مطرود)، ليحفز تناغماتها البصرية المُتخلية عبر اللحظة القرائية، لينمي بداخلها ذلك التواتر البنائي المتقن، ويرتقي بكيفية مذهلة لملأ جل مساحات الإيقاع الداخلي لمنجزه الابداعي المسرحي، بقصدية ملاحق التغيير، عبر قصدية الاشتغال داخل معمارية اللحظة المحرضة، وبملازمة معلنة صريحة منتخبة من رحم المناخات السيمائية داخل متن لغته الشعرية، التي تربض منتشية بداخله، لايقاض تلك الدهشة الخفية المستترة في مأقي وذاكرة المتلقي داخل رحم اللحظة التي تكتنفها لواعج الترقب، والالتساق الحكائي للقادم من الاحداث الخرائبية، من خلال الافعال الحدسية التوقعية التشويقية، للمُتخيل الذاتي والجمعي. إن تلك القصدية الفاعلة في الجسد الاستقرائي الاستفزازي، تحيل جملة الماهيات الغير مرئية الى فضاءات واسعة من فطنة التامل التاريخي لدى (مطرود) الذي يقودنا وفق ديناميكية الفعل التاثيري إلى استنباط المعالم الخفية السيمائية عبر سلطة الغموض المفرداتي، ليفجر بتوءدة المدلولات المستقرة داخل ملاذات النهايات المفزعة المعقولة، وفق النتائج الحتمية الثيمية للنص، والتي هي بالاصل البحثي المسرحي التنظيري، تستقر عبر حيثياتها الابتدائية والتواترية الحبكية الدرامية في رحم (اللا معقول) على اعتبار أن جل الذين كتبوا وفق هذه المذهب أو المدرسة أو الظاهرة ابتدءا من (صومائيل بيكت) ومرورا بـ(يوجين يونسكو) و(آرثر اداموف ) و(جان جنيه) وانتهـاءا بـ(هارولد بنتر) أتفقوا بالإجمال على أن مسرح اللامعقول يرتكز ويستوطن ويقر بثوابته التنظرية حول مغزى أو فحوى أو مناهجية علائق (ورطة الإنسان في الكون). ولقد اتفق الكاتب المسرحي (البير كامو) أحد كبار فلاسفة العبث على ذلك المنهج الخرائبي من خلال دراسته الفكرية (أسطورة سيزيفوس) الذي يتصدى فيها لجملة المواقف تجاة رمة الحياة الانسانية، والذي كتبه عام 1942، وشخص فيه مصير الانسانية القادم على أنه ووفق معاييره العبثية (انعدام هدف، في وجود غير منسجم). إن مسرح اللامعقول الذي اشتغل في مناطق عديدة نائيه ممتلأه بالحنق والغضب نحو فساد المسرح أولا، ومن ثم الفساد العام الذي يغلف العالم، ونرى شخصيا، أن لا صعوبة تذكر، إذا ما حاولنا اقتراح جمع البوادر الفكرية التنظيرية، ما بين (بريخت) و(كامو) و(يونيسكو) و(بيكت) و(جينيه) باعتبار أن جل أطاريحهم المناهجية المسرحية تصب في مصلحة (دراما الرفض) أو (الغضب) أو (التغيير)، والتي راحت بالتالي تطرق الباب المسرحي بلوعة ايهامات عائمة وبأبطال مهزمومين مشتتين غير واضحي المعالم ازاء ذواتهم أولا، وازاء العالم الخارجي ثانيا، والذين تنحوا تارة، وتمسكوا آخرى، عن التزاماتهم المجتمعية والدينية والأخلاقية، لمواجهة الفضاء التكويني للعالم المحيط بهم، الذي فقد برأيهم معناه، ومعالمه، وأهدافه، ولعل ما ميز منتجهم الإبداعي بمجمل تصانيفه الأدبية، محوريين مهمين أساسيين وهما برأينا: 1- محور نقدي هجائي:- يقوم الكاتب من خلاله بنقد المجتمع التافه بسخرية لاذعة ، وبامتعاض جليّ، واحتقار، وحنق بائن. 2- محور استلابي إيجابي:- يتفجر هذا المحور عندما يواجه العبث داخل ملكوت الذات التي نزعت عنها مؤقتا الظروف الكارثية القاهرة، أو التي ملأت عليه كالوضع الاجتماعي- الوضع السياسي- السياق التاريخي، ليلجأ الى البحث الدائم المأزوم عن الاوضاع الجوهرية لمعنى وجوده. ومن منطقة الاشتغال هذه، يقترب (اللامعقول) من (العبث) وهما بصدد مواجهة لجة الذات ، مع العالم الخارجي، الذي فقد براهين وثوابت وقيم كينونة وجوده. ان أفصاحات قاسم مطرود ووفق هذا الاستطراد الموجز السريع الذي هو باعتقادنا، له أعمق المساس الهوسي المذاهبي أو الاسلوبي في منتجه المسرحي، وبخاصة فيما يتعلق بمهمة بحثنا هذا مسرحيتـه (طقوس وحشية) التي تشتغل داخل اجواء المسرح داخل المسرح، والتي تشبه كابوسا وجوديا طقسيا وحشيا، يغيب عنه العقل، والسماحة، والأمل في الخلاص من ادران الذات، ومما يحيطها من استلابات قمعية ذات الوان واشكال غريبة قد فرضها ببراعة على فحوى الاحداث، والتي تقاسمت ذلك الهوس الفكري بين اللامعقول والعبث، والقسوة، والتغريب، ليستخلص من بين كل تلك الطروحات الفنية شكلا فنيا غنيا مبهرا يمازج تلك الاطاريح في بودقة واحدة ليصهرها ويواشجها، ليخلص لذات النتائج باعلان صريع مشهر بلافتة تحريضية مسرحية واضحة المعالم، ضد سلب مفاتن الذات ونأيها عن ملاذات سحرها الفطري، لتحولها الى ذات مسخ لا تمتلك ملامح التعبيرعن ذلك الرفض الذي يجثم بداخلها، واعلان احتجاجها الصريح عن مخاوفها ابتدءا، وبالتالي لإشهار اعتراضها على فساد السلطات والايديولوجيات القامعة. وبما أن (مطرود) يمتلك زمام تلك الرؤى التي تداخلت لصنع هذا النسيج المسرحي الخصب، وراح يمسك بتلابيب تلك الخيوط الخفية ليفضي بنا صوب تلكم الباحة الغنية الواسعة من ملاحق التأويل ليتسنى لنا، وضمن مناهجية الاستقراء والتفسير والتحليل الناهض، ملأ تلك المساحات الخالية والفضاءات البيضاء ما بين الجهد الفني (الكتابة) وبين الجهد الجمالي (القراءة) داخل معمورة بناءه الدرامي الثيمي وبتواقع التقاطي مجسي خفي، وبايقاع استدلالي، وبلغة شاعرية متناسقة تدخل بتشظية يقظة لذلك البون السحيق لايعازات الذاكرة الذاتية والجمعية الحية، لتوقض بداخلها سباتها الفائت، وتحيلها عبر الدلالة والعلامة والاشارة والكود الى فاعل مؤثر في متن الأحداث عبر معمارية تراتبية لبُنى شخوصه التي إنتقاها بوضوح معتم قصدي، ليثير فيها معالمها الحية النابضة بالقسوة، ويأجج فيها مناخات ملامحها التي يعنيها بدقة تبدو اكثر اسقاطا للواقع الذي عاشه هو ذاته في زمن ما، وفي مكان ما، وعلى ذات الارضية المزدحمة بتشظي الذات فوق اسفلت الفضاءات المترامية الاطراف، بعيدا في ذلك البون النائي من شتات النفس، وملاذات الروح، وهذا بطبيعة المنجز الصراعي سيجعل من شخوص (مطرود) تتمتع برحبة واسعة من حرية التجوال داخل المتاهات السيميائية المتخلله في الجسد الثيمي النص، ليحيلها الى افكار مقرونة بنهضة تغييرية استقرائية لحظية، او الركون الى الحطام الآني، وفضاءات اللعبة التي افترضها (كامو) في (الغريب) وابتكارها على يد بطله (ميرسو) الذي يَقتُلُ بسسب الشمس وحساسيته المفرطة تجاهها بشكل خاص، ويبدو انه اراد الانتقام من ذاته ، لانه لم يبك في جنازة أمه، اذا كل شيء سيؤل الى ذات النهاية، لكن الطرق مختلفة للخلاص، فهو يقحمنا للانسياق خلف بديهيات اسلوبه الفكري الذي يذهب اليه، في ان يضفي المساواة على كل شيء، تماما كما في عالم العبث، حيث يكون كل شيء متساويا في القيمة، فهو يرفض توكيد أي شيء اكثر، او اقل، من أي شيء آخر. وهذا الطراز من النزعات الفلسفية تناوله قاسم مطرود بوعي تام وراح يتأبط مفاتن مخيلته الخصبة والابحار صوب هذا التلذذ بالسخرية اللاذعة من العالم الذي يحطيه، ليحول ماهيات مسرحه الى ادوات فاعلة استطاع من خلالها الى النزوع السلطوي الفج ، في محاولة حرق ابطاله، لانهم ارتضوا رغم احتاجهم المعلن الصريح بهذا الاذلال القسري، لانه كان موقنا بالفرضية (الكامية) في ان يضفي المساواة على كل شيء حتى في الخراب الذاتي- الجمعي، والذي نراه شخصيا تحريرا مجيدا، وحضرة درامية حداثوية، تبشر بقداسة ماهية الذات البشرية، التي يتوجب علينا ان تعتز بقيمتها العالية المتفردة. إن أجواء إنعاش الفعل الدرامي داخل نص (طقوس وحشية) يرتقي أحيانا من خلال الكينونات الحبكية, والرمز الدلائلي اللغوي، من الداخل الى الخارج، بمعنى انه يفصح عن طريق شخصية (المرأة) بنوازعها الذاتية، الى الافصاح القهري الخجل، ليشكل حول مرسوماتها التشخيصة هالة من الاعتراض الذي هو بالاساس قيمة لم تعد جديدة عليها، او ربما ارتضت بها، بحكم اعتيادها لهكذا أجواء من الرضوخ، واحيانا يكون الفعل من الخارج الى الداخل عن طريـق (الرجل) الذي يفرض لعبته التي راح يحرك مصاريعها بأشتهاءاته السلطوية، وبايدي جزار مأجور آخر (الرجل الصامت) الذي لا يمتلك هو الآخر، الا الامتثال لبراهين ديمومة بقاء (الرجل)، ومن خلال هذه اللعبة، أدخلنا (مطرود) الى فضاء هالة مسرحية أوسع في تقنيتها اللعبية، فأنشأ مسرحا ثان محاثيا للعبته المسرحية الكبيرة التي هي مكان لعبته الاصيلة، وهذا ما يحسب لملكته الاستثنائية في التجوال بنا في مناطقيات خصبة عديدة لاغناء منتجه الابداعي (النص المسرحي). من الملاحظ إن هناك ثمة أماكن عزل، وتعطيل واضحة داخل المساحات اللونية (النفسية) للشخصيات، مما يبرر وقوعها داخل فسحة التدارك اللحظي لذلك الهياج الكبتي المتسامي المحاذي للفعل الاصيل، والذي يقرر بالتالي (مطرود) الاستعاضة عنه ، من خلال الفسحة (التأثيثية) السنوغرافية، والحركة الجامحة المتقدة ليغني بها دينامكية الفعل المقررة سلفا، في التاثير على جوهر القصديات المتاخمة لمعمارية بناءه الدرامي، واعطاء منهجة جدولية للفحوى المتضمنة لذلك الفعل المتثور عبر اللغة، وهذا يؤكد على ان (مطرود) قد استطاع ان يبرهن، وبمهارة شاعرية لتعويض الهيكلية التراتبية لتنشيط الفعل داخل متاخم المُتصور اللحظي للاستقراء، وهذا النمط من انماط التوصيل والاستدلال الموضوعي الناتج عن مخاصب توالدية استمرارية لديمومة جسد اللغة داخل متن الفعل في المشهد المسرحي. ومما يلفت النظر ان شخوص هذه الطقوس تتنصل عن اشكالها وهيئاتها عبر انتحالها صفة العلاماتية الاشاراتية السيمائية، والتأثيثة الدرامية الحكائية ، لترتدي (جلابيب) مختلفة أخرى ضمن هذا المشروع اللفظي، لتُكوّن ظاهرة مختبئة داخل الاستدعاء القصدي المتغاير في فحوى (التناص)، لتحاول الانقضاض على كل ما هو ثابت، او سطحي، أو ربما كائن حقيقي، لتحيله الى هوس منظم قصدي، في انتحال لونا ًآخرَ من ألوان البوح السردي المقتضب، والذي يصرخ عاليا ولكن بهمس ايمائي لفظي إشاراتي دلالي مسموع: المرأة :- لا أحسن القتل ! الرجل :- في القاع يقع التنيين . ... المرأة :- سأهرب . الرجل :- الريح تخترق المكان . ... الرجل :- هذا جميل . المرأة : غاية في القبح . ويبدو من تطاير هذه الاختيارات المتفاوته في متن النص أن هناك ثمة خراب لفظي، يتشظى داخل الدلالات السيمائية لتوعز، أو تنذر بذات اللحظة الاستقرائية التحريضية للأحداث، ان ليس من المهم ان نميز ما بين الجمال والقبح، لكن المهم ان نحصل على الجمال بكليته، أو على القبح بكليته، لانها لا تحسن القتل، وتتمنى الهروب أولا، ولأن في القاع يقع التنيين ثانيا، ولان الريح تخترق المكان ثالثا، واخيرا لانها تجيد الدفاع عن نفسها فقط، وذاك يعني أنها لا تملك الا الدفاع عن كينونتها الخاوية المرتعشة الخائفة، إزاء هذا الهول الذي قذفها باتونه عنوة ً قاسم مطرود ولم يعد بأستطاعته ان يخلصها من ورطتها هذه، او بالحد الادنى إنقاذ ما تبقى من إنسانيتها، لينهي لعبته المتداخلة بوحشية نزقه، داخل ملاذات نصه الموغل بالطقوس اللفظية الخرائبية المستترة تحت عباءة اللغة الطبيعة النيرة، والتي تستقي سطوة خرابها الجميل، من الفسحة الوحشية لحبكة النص. وكان في رأينا، لو أن ملاذات (مطرود) الدرامية كانت قد أستعانت او أستثمرت (المونولوج) الداخلي المقتضب، عبر الصورة الحية المتخلية المرئية (فلاش باك) لاغناء تلك الفسحة من الافصاح والبوح المأزوم داخل ملامح شخصياته النفسية المضطربة ليضفي ذلك بالمدلول العلائقي بين الاحداث، ومن ثم لادخال اشكال سينوغرافية جديدة لبنائية الصورة المشهدية من جهة، وبين انشائية اعماق الشخصيات الخربة من جهة ثانية، لنفض الغبار ولو عن جزء من تاريخها الفائت، لان هذا الطراز اللعبيّ في ملاذ (العلبة) داخل (العلبة) يسمح بهكذا انثيالات واسقاطات خزائبية تكوينة، وقفزات عائمة، لتعميق واغناء معمارية البناء الثيمي الحكائي المرئي، وصولا لاستهداف الاستقراء في مهد لحظته الحدثية والسيميائية المتأججة، وتحريض ملاذاته المتحفزة، في إغناء سطوته البصرية. وهناك ثمة معايير غير تقليدية شاخصة يتلاعب بادواتها (قاسم مطرود) متوخيا ًعبرها إنشاء ذلك البناء الدرامي المحكم المتفرد، لإيصال أكبر قدر ممكن من عدم الافصاح الذاتي من خلال شخوصه عبر سحر ذلك التلامس الطري الفج، والتناغم المزعج الواضح، بين طرفي المعادلة المتناقضة التي ابتكرها بمحض ارادته، والتي احكمت عليه طوق عدم الانفلات من جوهر ثيمته الاصلية، او الوقوع في فخ الترهل التكويني لتبعده ولو من حيث النظرة الموضوعية عن باحة الفصاحة التدوينية الشاعرية، والتي توقع النص المسرحي في مناسبات عديدة (الممثل) في أتونه، وربما يأتى هذا الحذر الشديد، من كون (مطرود) ربما يسكن بداخله ممثلا محترفا، أو مخرجا يقوده بحرفية عالية، وتقنية مهارية، ومعالم تفسيرية استنباطية تحليلية ثاقبة، وربما جسدية فيزيقية تحركه، لتملي علية ذلك التصور المنسجم، عبر اللغة ابتداءا، والحركة ثانيا، والتحليل ثالثا، والحبكة رابعا، والانصات الدقيق لافصاحات شخوصه خامسا، وتدوينها بالكلية أخيرا. وشخوص مطرود الطقسية الثلاثة هي (لحظات هاربة) في لج التداول المنشيء للاحداث، والمفعمة بدوائر آليات التناص، لا تستطيع الامساك بها، فهي تفلت من قبضة استحكاماتك الاستقرائية، لتلج الى معالمها الداخلية بذات اللحظة التي تحاول السيطرة على خلجاتها، لترحل عنك بعيدا في فضاءاتها النائية، لتسكن بأطمان، او ربما بهلع مشوب بخيفة حذرة، في احضان مرجعيتها (المطرودية). وعند الرجوع ثانيةً الى لغة النص والتي تكتنف عوالم غير مباحة للجميع، وذات ملامح مظاهراتية تشعر معها بشاعرية متفسخة، وهذا الطراز من الاستخدام الحواري بتقديرنا، ينفع ذات المحتوى الخطابي التحريضي الذي اثبت جدواه السيمائية، حيث يمكن لنا الرجوع الى المشهد الاستهلالي لمحاولة استقراءه: صوت الرجل :- دون انفعال. صوت المرأة :- في الامر التباس. ... المرأة :- كيف دخلت ؟! الرجل :- من ثقب الباب. المرأة :- يدي امتدت من ثقب الباب. الرجل :- كيف دخلت ؟! المرأة :- انت بلائي. الرجل :- انت صوتي المكتوم. جاءت هذه المحاورة الاستهلالية لتفعيل الدور البنائي السيمائي داخل ماهيات اللغة، وفي توكيد ما هو مستتر خلف اللعبة، وما الذي يدور في الفلك الرمزي لهاتين الشخصيتين، وهذا التفعيل ترجمة حقيقية يمكننا القول ازاءها، بانها لغزا تحذيرا من فحوى اللعبة التدوينة وإحالة الفعل اللغوي الحواري الى مكنونات فاعلة ومتفاعلة في جسد وروح النص، وهو بالتالي تداخل فج في التسليم والاستلام بين الشخصيات، على اعتبار ان ليس هناك ثمة حيزا فهميا وادراكيا، يمكننا الامساك به ازاء هذا التطاير اللفظي، والتحايل على الحواس الاستقرائية، لادراك ما هو خفي، بما ان الرجل ابتدءا هو (بلاءا قدريا على المرأة) لأن هذه الاحالة السيمائية جاءت لتهيء خصائصنا المبهمة، لما ستؤول اليه الاحداث التي سيقررها ( قاسم مطرود ) من خلال لعبته العبثه المعقولة هذه. نظر قاسم مطرود إلى الواقع الذي عاشه في زمن ما, وفي مكان ما، وفي اتون موقعة استشاطية من حياتيه الوعيوية الفائتة، نظرةً تغلفها تلك الانثيالات المبهمة، لتتراقص بزهو يشبه النوح بداخله، لتخلق من ملاذاته، ذلك الهوس البنائي بأثر اجتماعي رجعي، وبخلفية تلامس شغف الاحتضار المؤقت الجاثم في ملامح مخيلته المتخمة بالاسى والقهر، لتتخطى ذلك العمق الشفيف الغير مرئي قي ثناياه، لتحاكي اللامعقول والعبث الذي يربض متحفزا داخل تدويناته الذاتية الانسانية القلقة، بشاعرية بارعة. لكننا نلمس وبوضوح تام ، ذلك التقارب الجلي القصدي الذي مارسـه (مطرود) ازاء عملية تبادل السلطات بين الكاتب المسكون بالبوح بداخله، من جهة، وبين تشظي وتبعثر الشخصيات من جهـة، وبين (القاريء) و(الناقد) من جهة اخرى، باعتبار أن القاريء والناقد هما الأداة الجمالية المفعلة للاحداث بزمكانياتها والمفسرة والمحللة لايقاع لغتها الرصينة، ليخلص الى نتائج قد رسمها سلفا في أن يكون (المتلقي) وفق منهجية الاستقراء المسرحي هو المعني الاساسي بمرجعية (التأويل) الحثي الآني للأحداث (يعنى تصورها او تخيلها) ومن ثم الزامه بالتقصي السيميائي الدلائلي، داخل (الدايلوك) في ذات اللحظة المتقدة في خاصرة النص باعتباره خطابا أدبيا اولا، أو بعد احالته لفرضية العرض ثانيا، وهذا النهج اللعبوي الماكر في مناخية المسرح داخل المسرح، بمعنى ان (العلبة) الدموية اللحظوية، ستحال الى (علبة) مسرحية اكثر فجيعة وايلاما فيما بعد، ويبدو ان هذا الطراز من اللغزية في التناول البنائي الخطر، قد يوقع الكاتب بمأزق درامي بنائي حرج، ما لم يكن قد خبر هذا النوع من فضاءات هذه اللعبة، وفي رأينا قد تخطى (مطرود) بالعبور بالقاريء لضفة الأمان الاستقرائي، رغم انه كان قد ايقض، بل اورث بداخله تلك اللحظة الاندهاشية، وابتلاه بورماً فكرياً سياسياً خبيثا من جراء التحديق المتلاحق داخل فسحة رؤيته الفلسفية والفكرية المتشظية والتي (كانت مختبأةً في حيثيات لواعجه الداخلية) والتي راحت تقوده صوب الايهام والتشظي تارة عبر صور هلامية، ومكنونات لغوية عائمة، وتارة اخرى راح يجول به داخل رحم استلاباته المفاهمية العبثية اللامعقولـة (الحقيقة) بذات اللحظة الكبتية التي تكتنزة، والتي تفصح عن مخاض خصب لولادة نص حداثوي يمتلك مقومات التجديد في متن التداول والتناول البنائي المسرحي المجدد. حيث راح (مطرود) يلعب على اوتار الضعف والهزالة والهشاشة المؤدلجة للمناخ السلطوي المفروضة قسرا علـى (المتلقي) الذي راح يشكو منه الجسد الفكري والسياسي العربي، وعلى مدى عقود فائتة، ليقودة بالانتهاء الواعزي الصيروري لدهشة اللحظة الآنية التحريضة، والتي ستؤل به بالحتمية التاريخية الجدلية الى عملية التغيير الصارم، ووفق منطق عرض فسحة (القبيح)، لاستبدالها بعرض فسحة (الجميل). الرجل :- هذا جميل . المرأة : - غاية في القبح. إن (مطرود) يتلاعب بالمفردة لاحالتها الى علامة سيميائية في محاولة للحوز على الجمال كله، او القيح كله، لان هناك ثمة استحواذ رمزي دلالي يستوطن داخل ملكاته وآلياته التقنية التسيدية على رمة الفكرة (الابسنية) التي تحاول الامعان في فرضية (الحصول على كل شيء، او لا شيء). المرأة :- سأهرب . الرجل :- الريح تخترق المكان . اذن هناك عصف ريح تخترق المكان وهذه الجملة تكررت في اكثر من مكان داخل الطقوس، ويبدو ان هذه الريح، قادمة من خلجات النفس لتدمر ما حولها، وهذه اشارة واضحة لاستنهاض مقدرات الشحنة السيميائية داخل المكنونات السببية للاحداث القادمة . المرأة :- لا احسن القتل . الرجل :- في القاع يقع التنيين . ربما هي تُحصن ذاتها المحتضرة وسط هذا المترع الوحشي للموت وتتشبث بعدم قدرتها على القتل، لكنها في ذات المكان تصرح بانها تستطيع الدفاع عن نفسها، لكون هذا الدفاع عن النفس، يقودها الى البقاء الفردي واسقاط كل الافكار المحيطة والمتعايشة بكنفها، ولكن من أين ياتي ذلك الخلاص المؤقت وهناك (تنيين يقع في القاع) ، وثمة التباس حاصل حتمي في الامر برمته. لقد أتخذ قاسم مطرود أشكالا لنصه المسرحي الذي جسد ثيماته داخل المسرح الكبير، وانتقل بشخصياته بتلاعب ذكي، ليحولهم الى نماذج مهزوزة مشتته من داخل مسرحه الكبير ليحيلهم الى لعبة مسرحه الحدثـي السميائي العابث الصغير ليقـدم لنـا من خلال الشخصيتيـن (الرجل - المرأة) أدوارا ًوماهيات خرائبية تكتنفها الامراض النفسية المستعصية عبر جل تاريخهم المتهريء، فتارة يصبح الرجل أبنا والمراة اما له، ويشكي والدة الذي كان يقسو عليه بوحشية، وتارة يتحول لطالب مهزوز وهي معلمته التي تتلذذ بضربه بقسوة، وتارة الى زوج مخدوع, واخرى يحولها الى جاسوسة.. واخرى يحولها الى شرطي لا تجيد حياكة المشانق.. الخ، وهنا يتكأ (مطرود) عبر افصاح شخصياته المريضة التي فرض عليها اكمال اللعبة رغم انه صرح لاكثر من مرة، عبر النص بان كل هذا الهراء الوحشي لطقوسه، ما هو الا مجـرد (كابوس) وهو أيضا كما رددها مرارا.. (انها لعبة مدمرة)، وثمة التباس لحظويٌ حاصل دون انفعال لأن (في الامر التباس). وتمنيت شخصيا على (مطرود) وهو يوغل بهذا الإبداع من خلال ذلك التشطي المعلن للخفايا الدلالية السيميائية الغير معلنة في متن قصدية اشتغاله داخل معمارية اللحظة التحريضية أن يغوص بتلك المناخات الاسطورية :- المرأة :- أخطأت العنوان. الرجل :- حين عم الفيضان البسيطة قالوا ... وهذا الطراز من التحليق المشهدي الموجز والمفضي الى خصوبة أسطورية تفيد رمة موضوعته القصدية المشتغلة وفق مناهجية الحداثة والتجديد، باعتبار ان حدوث الطوفان عبر الغضب الالهي، هي بالاصل تأسيس للغضب الذاتي والجمعي، عبر ثيمة النص، فهو بالتالي عملية انقاذ جليلة للجبلة البشرية جاء من خلال سفينة (اوتونابشتم) أله البحر، وهو الذي أحيا الملذات الاستدلالية في قيمة النجاة الكوني من الغرق الفكري والأخلاقي البشري، والحاصل بالتبعية في الذات الجمعية بالاجمال، فقد كان قد اغنى برأينا، عرضنة الشكل والمحتوى ليسقطه في لج الماضي، ليتمكن من صياغة نصية درامية ذات ملامح تاريخية متجولة في رحم الاسطورة، والواقع، والخيال، والعبث، واللامعقول، لاستحصال حالة استجابة عالية مثلى، في متن نص ٍ يتحمل هذا المزج المتاح، بين القفز العبثي المعقول، على اللا معقول. وبذات اللحظة كان من الممكن أستثمار اللحظات التي يكتنفها الهوس الجنسي والمشبعة بمفاتن التلذذ النزقي السلطوي، ليطورها، ويخلق منها مفازات جمالية لطقوسة الوحشية . الرجل :- هذا فعل حسن . المرأة :- القتل .. القتل . الرجل :- السرير . المرأة :- مخيف . الرجل :- يتلذذ في تقطيع فريسته بعد قتلها . وهنا لو قدر لهذا المشهد في رأينا، ان يتجسد من خلال التكوين اللحظي بالانقضاض الشبقي للرجل على فريسته المرأة ومحاولة اغتصابها فوق سرير الموت عنوة، وهي تتلذ بمخاصبها الداخلية القابلة لهذا الفعل الانساني، ولحظاتها الخارجية الرافضة له، لكانت متعه الفرجة المشهدية حاضرة وبائنه في الانتهاء الفحولي الجسدي للرجل، والنشوة الفائقة للمراة، بهذا الاغتصاب المُجسد الحي، رغم انهما على طرفي نقيض، مما سيحيل هذا الفعل التحريضي في دواخلنا الاستقرائية، الى مترع مشاهداتي فرجوي مغلف بنزعة دراماتيكية، تثلج صدر ( العبث - المعقول ) . ان مسرحية (طقوس وحشية) وعبر المعايير التوازنية لمناخاتها العابثة، لا تقدم لنا اقتراحات افتراضية، او حلول آنية، نتكأ عليها للوصول صوب ملاذاتنا الآمنة التائهه، في بون عالمنا السحيق المترامي، الممتلأ بالمتناقضات والهوس الفكري والسياسي والمجتمعي، بل راحت توقض بدواخلنا الاستقرائية ذلك التحريض المعلن بقصدية مشغعوعة بآليات وتقنيات تدوينية درامية مهارية عالية، لتشتغل وفق دوافعنا اللحظية، عبر نص حداثويا متقدم، لنكـون جـزءاً من لعبـة (مطرود) الوحشية تلك، وليؤسس لنا حضورا فاعلا في عملية ترميم حيثيات مكنوناتنا الذاتية والجمعية، ليحيلنا بالرمة الى مشاركته الضمنية في فسحات هذا العبث الأخاذ بخرائبيته الطقسية، ليسجل عبر ملامحنا الاستقرائية الفطنة، تاريخ تلك الانطباعات لمغازلة صيغ التحرر من براثن سلوكياتنا الجمعية الموحشة ، ليحولها بذات اللحظة الى ردود افعال لحظوية حتمية صارمة، لاعلان التمرد الصريح على مجمل ذلك الاستلاب السلطوي، للذات البشرية. لقد كانت (طقوس وحشية) للمبدع قاسم مطرود (محفلاً درامياً) متنوع الإخصاب، وأيقونة سيميائية تحريضية سحرية ، تألقت في حضرة مسرح الحداثة، ورمزا توثيقيا انتخابيا ، لترميم الفجوة الحاصلة في خاصرة الايعاز التجديدي، لما بعد الحداثة، لأنه استطاع ان يقفز فوق الماهيات ويحرق الازمنة الفوضوية الوحشية الممتلئة بقيح الافكار المعمرة، فقد أعلن وبوضوح احتضار النظريات والايديولوجيات الكبرى، بعد أن حرق شخوصه بأثاثهم التفاعلي القاتم الذاتي والجمعي بـ(أعواد ثقاب)، وراحت السنة ذلك الحريق تتسامى لتحرق بالجملة كل من لم يستيقظ وهو مرتميا على كرسية الفخم، داخل صالة الاستقراء المترعة بلحظات الانصات والتلذذ بتلك الوحشية الجملية داخل مفاتن طقوس قاسم مطرود الخرائبية، لأنها اشتغلت دراميا، وفق المناخات الحداثوية والسيمائية، والحدثية، والثيمية، واللغوية داخل معمارية اللحظة التحريضية، التي نحن بالجمع، محتاجون إلى هكذا صدمة درامية مجددة، توقضنا من سباتنا الطويل الفائت، وتحيّي في ذواتنا الخربة، متعة وأصالة التغيير، صوب معالم حضارية فردية وجمعية، اكثر جمالا ً وإشراقا ً، من هذا القبح الذي يحيطنا. saadiabdalkareem@yahoo.com



 
  سعدي عبد الكريـم (العراق) (2008-10-12)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

قصدية الأشتغال عبر المناخات السيميائية والحداثوبة داخل معمارية اللحظة الاستقرائية التحريضية-سعدي عبد الكريـم (العراق)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia